الجمعة، 3 ديسمبر 2010

من غصة إلى غصة..!!




قل لي يا أخيّه :

كم مقال نشرنا ؟!

كم شهيد زففنا ؟!

كم رضيع دفنّا ؟!

كم طاولة ضربنا ؟!

و أمام شرذمة .. انكسرنا !!

نبّئني يا أُخيّه :

من غير شعارْ .

من غير ستارْ .

أين همُ الأحرارْ ؟

أتُراهم لاذوا بالفرارْ ؟!

من الرَميّة كالصغارْ ؟!

قل لي يا أخيّه :

كم أندلسٍ أضعنا ؟!

و كؤوس أدرنا ؟!

و ليالٍ حمراء أقمنا ؟!

و على كرة تزاحمنا ؟! 

و فوق أشلاءنا رقصنا !! 

أخبرني يا أُخيه :

عن هوية ملوية !!

عن قضية مرمية !!

و خلافة مطوية !!

و أسلحة محمية !!

باضت فوقها عناكب برية !!

يا أخيّه :

إلى متى أنفاسنا تُختنق ؟!

و أسوارنا تُخترقْ ؟!

و أكبادنا تَحترقْ ؟!

و ولاتنا كالبيادق ؟!

إلى خانات الذل تتسابق !!

باسم القضية .. و لا قضية !!

اجتمعنا !

و للمرة " الألف " انقسمنا !

حتى جاءنا ما انتظرنا !!

عُدنا كما بدأنا !!

وللرؤوس دفنا !

أمام العتبات ركعنا !

خرجنا كما دخلنا !!

من غصة إلى غصة!!


وداع بلا وداع ..


رأيتُه واقفا أمام قبرٍ .. و قدِ ارتسمتْ في مقلتيه معالمُه .. القبرُ كان قبرَ أبيه .. و

نسيمُ الأصيلِ يداعبُ جفنيْه !! فترتوي الزهرةُ الحمراء .. رمزُ حبٍّ .. رمزُ

وفاءٍ .. و يأخذُ بقميصه ذاتَ اليمينِ و ذات الشِّمالِ .. في روعةٍ و جمال .. القبرُ

كان قبرَ أبيه .. ثم استوى على الساهرة .. سلامٌ عليك يا أبتاه .. اشتقتُ إليك ..

منذُ أمدٍ لم أرك ، و لا تحسبنّ أنّي قد جفوتُك .. فقد شُغلتُ عنك بالدراسة .. و كنتُ

تُحبُّ العلمَ يا والدي .. و كمْ كنت ُأتمنّى أنْ  أكبرَ . فتراني طبيبا يدْفَعُ عنك آلامك ،

و يريحكَ منْ وَجَعِ المرض .. و لكنَّ اللهَ  قدّر .. أمّي تُسلِّمُ عليك كثيرا .. لمْ تنمِِ

البارحةََ ؛ لأنَّ قدميها تؤلمانِها .. إنَّها لا زالتْ جميلةً كما تركْتَها .. كلُّها حركة.. و

كلُّها نشاط .. و لكنها لم تعدْ تبتسمُ بكَثرةٍ كما كانت .. ألَمَّتْ بها الهموم يا والدي ..

أحيانا أدخلُ  البيت فألقاها تبكي .. و عندما تراني تُحاول أنْ تواري عني دمعها .. و

تتكلف ابتسامة.. نعم .. نعم .. ابتسامةُ أمي صارت متكلفةً .. أحيانا ألبس قميصك ،

و أحملُ عصاك ، و أجلسُ عند عتبة الباب ؛ حتى أُُشْعِرُها أنّك حينما غِبت عنها ،

لم تتركْها لجُدرانٍ أربعة ، و لكنها لا تزيدُ على أنْ تبتسمَ !! تبتسمُ ، و فقط .

أمّي لا تزالُ تُحسُّني أنِّي ما زِلتُ صغيرا ، و هذا ما يُحرجني أبتِ !! أقولها

بصراحة .. لقد اخترتَ و أحسنتَ الاختيارَ .. امرأةٌ وفيّةٌ ، مخلصةٌ ، مؤمنةٌ  تصلّي

الفجرَ ، و تدعو لك طويلا .. لا تبرحُ مكانها حتى توفِّي الكيلَ .. سمِعتُها ذاتَ يومٍ

تقول : " اللهم ألحقني بأحمدَ شهيدةً .. يا ربُّ . " .. أبتِ ، كم رُزقت من الحور ..

خمسٌ ؟ أم عشرٌٌ ؟ أم عشرون ؟ .. و هل هنّ أجملُ أم والدتي ؟؟ .. صمتَ بُرهةً

ينتظر الجواب .. ثم .. لماذا لا تجبْ يا أبي ؟ استحيَيْت منّي ؟ .. أعلمُ ذلك .. و

أعلمُ أنَّكَ لو أجبْتَ لقلتَ : أمُّك أحسنُ منهنّ .. أعرِفُ ذلك جيدا يا والدي .. و

أعرفُ كمْ كنتَ تُحبُّها يا والدي .. و أَذكرُ يومَ أنْ خيَّركَ والدُك بين ترْكِها و تركِ

البيت ، فتركتَ له دارَه ، و تمَّسكْتَ بها ، و أنفقتَ كلَّ ما في جيبك في النَّزْلِ حتى

وجدتَّ بيتا للكراء .. أعرفُ يا والدي كم كنتَ تُحِبُّها .. كنت أرى ذلك في عينيك ،

و أنت تنظرُ إليها .. و في شفتيك ، و أنت تحدِّثُها .. كنت أرى ذلك في رضاك عنها

، و في سخطك عليها ، فحتى و أنت غاضبٌ عنها كنت تدفعُ  الابتسامة َ، و أذكر ذا

اليومِ الذي خرجتَ غاضبا عليها .. و عندما عُدتَّ ، جئتها بهدية ، كانت مُصحفا

مكتوبا بخطٍّ من نورٍ ..! و كان مُغلَّفا بالحديد ، إنها لا زالتْ تقرأُ فيه كلَّ يومٍ بعد أن

تُصلّي الفجرَ ، و بعد صلاةِ العصرِ ، و تأخذُه في حِضنها و تَضمُّهُ إلى صدرها

الدافئِ فترة ..و تُقبِّلُهُ قبلَ أنْ تُطفئَ السراجَ  .. كي تنامَ .. جوادُك هو الآخرُ

يفتقِدُك .. كثيرا ما كان ينتظرك أمام الباب بعد فراقك .. و يطول انتظاره لك .. ثم

يرجع خائبا إلى الإسطبل ، لا ريبَ أنَّه يحبُّكَ كثيرا يا والدي.. لقد جاءَ منْ يريدُ

شراءَه .. و لكنَّ أمي أبَتْ – برغمِ  حاجتِنا إلى المالِ – لأنَّه مِنْ أغلى ما يُذَكِّرُنا

بك .. لا زالتْ يا والدي تذكرُ  نسيمَ الصّباحِ وهي تُوَدِّعُكَ .. و تودعك .. و أحيانا

أَجدُها تسوقُه صباحا إلى المكان الذي اعتادتْ أنْ تُفارقَك فيه ثم تجلسْ ... حتى إذا

أشرقتِ الأرضُ بنورِ  الشمسِ عادتْ به .. لم نشترِ كبشا في هذا العيد يا والدي ..

فليس لنا تَكْلُفةً .. و إنْ هي وُجدتْ فلن نجدَ من يَّذبحُه لنا .. و لم يزرْنا أحد يا

والدي .. في هذا العيد .. حتى والدك ، فقد هجرَنا من يومِ أنْ شيّع جنازتَك ..

 وقفَ " أيمن " و نظرَ حواليه .. الكونُ قدْ أخذ في السكون .. و النَّاسُ

راحلون .. خافَ من ذئبِ  الظلامِ .. كانَ صغيرا .. أبتِ ، آن الفراق .. و سوف

 أعود إليك مرة مرة .... لن أنساك .. هذا وعدٌ عليَّ .. كانت خُطاه متثاقلة .. كان

يسيرُ .. و عند الباب توقف ، و ألقى نظرةً أخيرةً .. نظرةَ فراقٍ .. سلامُ اللهِ عليك

يا والدي ..